الأربعاء، 24 سبتمبر 2008

يوم نكد من أوله

اليوم كان أول يوم لي في الجامعة بالرغم من أن الدراسة قد بدأت من ثلاثة أيام إلا أنني لم أحضر إلى كليتي إلا اليوم ربما لأنني مللت المكان الذي استهلكني أربع سنوات كانوا بمثابة عشر سنوات .. مللت الوجوه والمعامل وأصوات الفرقعة وصراخ البنات من لسعات حمض الكبريتيك المركز الذي دائما ما كان يفسد على فرحتي بملابسي الجديدة فإذا سقطت منه نقطة على البلاطو مزقته وتسربت إلى ملابسي فتحولت إلى قطعة قماش لا تصلح إلا لمسح أرضية المنزل فتعلمنا ارتداء السبع طبقات احتياطي . مللت من الرشاوى التي ندفعها للعاملين لسرقة بودرة النباتات والصودا الكاوية ..مللت من جلسات النميمة ومراقبة الساقط واللاقط وعيون زملائنا البنيين التي تتتبعنا من خلف السحاحات والحوامل وأنابيب الاختبار .حتى مظاهرات الإخوان وانتخابات اتحاد الطلاب والتبرعات التي لا نعلم إلى أين تذهب قد مللت ذلك كله . مللت من المدرجات التي لم أعد أدخلها من السنة الثانية ..مللت من شرائط دعاة الإسلام في الميكروباصات بأسلوب معتوه لا يمت للإسلام بصلة ثم من النقود الذائبة والتباع السمج ووجوه المرضى الميتين مقدما أمام مستشفى الطواريء . مللت من السؤال المتكرر – انتي لسه ماتخطبتيش ؟ بطلي تكبر بقى انتي مفيش حد عاجبك وربنا هيعقبك .
ملل ملل ملل .. والتجديد يكون بعكس ترتيب الجملة بدل من يا عم محمد عوزين الداتورا .. نقول يا عم محمد تاخد كام وتجبلي الداتورا .
هذه السنة هي آخر سنة لي في الجامعة ..بالرغم من كل ما لقيت فيها من ملل وزهق إلا أنني حزينة فعلا لتركها ..لدي شعورين متضاربين هل أستمتع بكل لحظة فيها مع زميلاتي ونلتقط الصور في كل ركن فيها أم أضع يدي على خدي وابكي استعداد للفراق .
كل وجوه البنات التي قابلتهم اليوم كانت وجوه بائسة كئيبة ..حزينة على غير عادة أول لقاء بعد الأجازة .. الكل ينظر في يد الآخر ..حتى البنيين ينظرون يرصدون من اتخطبت ومن لازالت لديه امل فيها بعد ان حمى له الله يديها من أي دبلة .. كل البنات حزينات .. البنت التي لم تخطب فتقريبا لديها شعور بالعنوسة لأنه آخر عام لها في الجامعة .. الفرصة الأخيرة . وللأسف نحن أكبر ناس في الكلية فلا تعلونا فرقة أخرى اكبر يتصيدن منها عريس وأعتقد لهذا السبب لم يشتروا ملابس جديدة واكتفوا بالقديمة الباهتة . وسط كل تلك الكآبات أخلق لنفسي عالم مريح باسم ولو للحظات .. شغلت راديو المحمول على البرنامج الموسيقي وجلست وسط الخضرة القليلة أمام كليتنا ولكنها تكفيني لأن أتخيل وأبتسم . اللحظات الجميلة دائما ما تقطع .. جاء إلي وكان وجهه أكثر كآبة من كل الوجوه التي قابلتها في صباحي النكدي ..دكتور "حازم"دكتور الكمياء الحيوية .جلس إلى جواري دون استئذان وهو يبتسم :- وسام ... إزيك .. اخبارك ؟
ابتسمت في خجل :- كويسة الحمد لله . وبالرغم من انه استشعر خجلي إلا أنه جلس أيضا . بدأ حديثه بسؤال لا يختلف كثيرا عن السطور السابقة :- ألا ماتعرفيش علاج للdeprssion (الاكتئاب) ؟ بصراحة كان نفسي أنفجر في الضحك رددت في نفسي – هو انا نقصاك إنت كمان . ولكني تماسكت احتراما لمعلمي وقلت :- والله يا دكتور انا شايفة إن الاكتئاب ده سببه عدم الائتناس . قطب مستفسرا :- الائتناس ؟؟ يعني ايه ؟
أنا :- يعني حضرتك عايش في عالم ضيق فردي من اختراعك انت وبس لأنك مش لاقي حد يؤنس روحك..حد تستريح لما تكلمه لما تقوم يقوم معاك وما تضحك يضحك معاك ..وليف يعني .
ضحك الدكتور وتكفيني ضحكته لأتأكد من اني دكتورة شاطرة عالجته من الاكتئاب . وقال :- يا وسام انتي محتاجة حد تحبيه ويحبك .. انتي عندك فراغ عاطفي .
بصراحة بصراحة لم أتمالك نفسي هذه المرة وعلت ضحكتي :- يا دكتور انا بتكلم في المطلق .
أما الشيء المضحك أن كل الكلام الذي قاله دكتور"حازم" كان على نفسه فهو قد تجاوز الثلاثين من عمره وكلما تقدم لبنت رفضته وكلما أحب بنت أنكرت حبه وسبته ؛ لانه لا يهتم بمظهره ولا ألفاظه ( لسانه زفر ) زي ما بيقولوا دائما طالق ذقنه الشعثاء وهو طقم واحد لا يغيره صيف شتاء .واصل حديثه :- في المطلق .. فعلا عندك حق .بس أنا اعمل إيه ما أنا عملت كل اللي أقدر عليه طلبت إيد العالمة والعالمة (الراقصة) الحلوة والوحشة ومفيش حد راضي بيا . قطعت كلامه بشيء من النفاق :- ماتقلش كده يا دكتور حضرتك انسان جميل وأي بنت تتمناك . التفت إلى في جلسته وقال :- والله يا وسام انتي شجعتيني أصرحلك باللي في قلبي ..أنا .. أنا ..
هنا لوحت بيدي لياسمين التي لم تكن امامي أصلا وسحبت حقيبتي مسرعة وانا أستئذنه في الانصراف لحضور المحاضرة مع ياسمين ووسام . أومأ برأسه وابتسم في تفاؤل . ابتعدت في مكان آخر حتى جاءت ياسمين ووسام وهبة .. وعندما رأيتها من بعيد .
كفاية كده بصراحة تعبت من سرد الكآبة أكمل بعدين .

ليست هناك تعليقات: