الأحد، 21 سبتمبر 2008

فن الاحتواء



شهرزاد ... تعلمني تلك السيدة التي من ورق أو على ورق أو ربما كانت جدتي كيف يكون الاحتواء وإن كان هذا الاحتواء بصورة أخرى بعيدة عن كونها أنثى فترضي أنوثتها فحسب .. تعلمني كيف أمسك خيوط العاطفة ثم أرخيها على من احب ..ابني الصغير ..ابني الكبير (زوجي) ثم ألعب له في شعره وأربت على كتفه لأحكي له قصة التاجر والعفريت ثم الحمّال والبنات ثم السندباد البحري ثم مضايقات زملائي في الشغل وأزمة المواصلات ومصروف البيت الذي على وشك الانتهاء . تعلمني كيف يكون الحكي بابتكار ..كيف أمرن صوتي على اختراق أصلب الآذان فتستسلم لي وتسترخي فأقول ما أريد .. تعلمني كيف أعد فنجان من الشاي أقدمه دون طلب إلى ابني الكبير ثم أسحبه إلى حضني وأترك له هذه الليلة هوى الحكي ... كيف كان يومك .. ما الذي يضايقك ؟ ثم أراود غضبه وهو يحكي أسباب ضيقه بابتسامة وانشاد

قل لمن يحمل هما إن هما لا يدوم
مثلما تفنى المسرات كذلك تفنى الهموم

أو بكلمة طيبة قالتها شهرزاد بلغة أمي وأختي وجدتي " ماتزعلش نفسك ولا يهمك " ثم ألقى نكتة قرأتها مخصوص له اليوم .تعلمني كيف أخرج سحب الحنان الرابطة في قلبي تأبى الرحيل فأحتضن دبدوب متوسط الحجم وأسرح معه وأنا أقول - فلما ألقى النوى على الأرض خرج له عفريت كبير ... ثم أنهض من جلستي وأتراقص معه وانا أغني حبيب ماما ياروح ماما أحبك لو تقول ببّاه عشان ممّاه وحشها والنبي .. ببّاه . او ربما كانت رقصه معه على موسيقى تايتنك ثم ألقيت به في الجو وانا أنغم طار في الهوى شاشي وانت ماتدراشي ..يا جدع . ثم زيارة شهرية إلى الملاجيء وبكاء عند رؤية الورد من رقته التي اقتحمتني .
تعلمني شهرزاد أن أكون أنثى بالمعنى الصحيح ولا أعني بالانثى هنا هيفاء أو نانسي أو دينا فقد ظهرت شهرزاد أصلا لتمحو فكرة الأنثى الشيطانة التي تتخذ من جسدها تعاويذ سحرية تعلقها برشاقة في رقبة الرجل الذي تستملحه .ولكن الأنثى التي علمتني هي تلك التي تدفع أمامها ملايين الدنيا كي تحضنك وأنت تشعر ببرد الوحدة واختناق الروح ..هي التي تجري وراءك بساندوتش قد ملأته حنانا قبل طعاما لتغذيك باهتمام تتمنى لك طول العمر ..هي التي إن ضاعت أمك وجدتها وإن ضاع شبابك وجدت ابتسامتها لازالت لك وحدك وإن اختنقت عينك بالبكاء وضاقت بك الدنيا فلن تجد غير صدرها يحتويك فتبكي أمامها دون خجل . هي تلك التي أطمح ان أكون ...و مستحيل أن تعود مخترعة فن الاحتواء .. شهرزاد.

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
محمد العدوي يقول...

جميل المقال الصغير دا .

كان عجبني من فترة طويلة كلام قرأته أن شهرزاد بثقافتها استطاعت أن تحولت نزقا جسديا إلى لهفة فكرية . و أن امرأة واحدة تستطيع ان تعيد بناء رجل مهما كان .

يمكن الرغبة في الحياة هي الدافع الأول في دا .. شهرزاد لم يكن يعنيها الملك ولا انه يتسلى ولا يرضى .. شهرزاد كان هدفها محدود . أن تعيش ليوم جديد .

اليوم دا هو الذي صنع لها كل هذه الحكايات .. هي القادرة المؤهلة لذلك طبعا .. والملك الذي يعيش فراغا مريضا وعاوز أي حاجة جديدة تملأ له الفراغ دا ..

بس ..

وسلامي لك . ولجدتك شهرزاد

غير معرف يقول...

ربنا ما يحرمنا من آراءك يا دكتور محمد