الثلاثاء، 28 أبريل 2009

شجرة وحيدة ونافذة واحدة


ليس لمجرد الإحساس بالقهر أتطلع إلى المستقبل ..أحاول وأد الماضي وخنق أنفاس شبحه الهلامي الذي أرى ذراعيه تقترب من عنقي لتخنقني فأروح بذنب الماضي .بالرغم من أن الماضي ليس قبيح وليس حسن هو فترة سجلت في عمري فحسب فألقت بي إلى هنا وهنا أنا أكره الحاضر وأتناسى وجوده. دائما لدي إحساس أكيد أني في حلم أو ربما كابوس المهم أني في نوم عميق في لحظة سأصحو أزيل عني الغطاء ولكن بعدما يفوت وقت تحقيق الحلم لأجد نفسي أتألم من صهد نار جهنم على صراط رفيع . لا أعلم لماذا تسيطر فكرة الموت عليّ هكذا فأؤل بكل لحظة إلى الموت والجنة والنار . وأكثر تلك اللحظات التي أرى فيها هذين الضدين أثناء ركوبي السيارة ...أستأثر بالمقعد المجاور للنافذة أصر على عدم تذكر الماضي .. من خانت صداقتي .. من ماتت .. وشقتنا القديمة وتلك الشجرة الوحيدة الموجودة في المكان كيف تتهادى بأفرعها على شرفتي ومن خلفها صمت دائم وفراغ مخيف .أهز أفرعها فيتساقط في غرفتي مثلث من القماش تفاجئني أمي بالدخول فتتساءل ما هذا ؟
تشق القماش فنجد ورقة مكتوبة بالحبر الأحمر فقط هو ما نستطيع تفهمه أنها مكتوبة بالحبر الأحمر . صاحت أمي :- انه عمل . قضينا ثلاثة أيام نبحث عمن وضع هذا العمل في الشجرة الوحيدة التي تطل فقط على بيتنا . وفي ذات مساء صيفي هادئ صامت في تلك المنطقة النائية التي أسكن أنصت إلى صوت خرفشة تزداد حدتها لحظة بعد لحظة أظنها نسيم صيفي يداعب أوراق الشجر فتخجل وتلتف على نفسها وتقول على استحياء :- نسيم !!. إلا أن النسيم العاشق لا يداعب لحد الاقتطاع . فتحت النافذة وأنا لا أخشى ظلام الليل ولا صوت الخرفشة فأجده هيثم الذي يسكن في الطابق السفلي من البيت أو بتعريف آخر هيثم ابن صاحب البيت الذي نسكن فيه إكمال اسمه "المرسى البرقي" . المرسي البرقي إنسان مكروه كل بيتنا وبيته يكرهه، كم أصر على إطفاء النور عنا وقضينا أيام في الظلام وقطع عنا المياه فنستغيث بمياه السبل والمضخات .أمي دائما تدعو عليه وازدادت دعواتها عليه حين صرخت مستنجدة بها وألقينا القبض على هيثم . وعن سبب زيارته لشجرتنا هو الاطمئنان على العمل متأسفا يقرض الذنب لوالده . أشفقت عليه أمي وقدمت له كيك الشيكولاته المشهورة به . أحبنا هيثم كثيرا وأخذ يفضي إلينا بأسرار والده الذي يريد طردنا من البيت .. يسبقه إلينا ليفسد خطته .

انا في موقعي بجوار النافذة أصر على عدم تذكر الماضي فماذا فعلت أنا طيلة السطور السابقة !


رحم الله عم مرسي وابنه هيثم الذي مات الآن فقط في الواقع لا في الذاكرة.